سلسلة خطب جمعة " أرشيف - لله ثم للتاريخ  " :  " دروس من مجازر غزَّة 1. .       04 محرم 1430هـ/02 جانفي2009م.


      انتبه :   الصراع واحد . .إنما الاختلاف في التوقيت فحسب . . 

الاستفتاح بخطبة الحاجة،ثم أما بعد : أيها الإخوةُ في الله :
    قضى ربنا سبحانه على هذه الأمة أن تنبعثَ رُوحُهَا ويَصْحُوَ ضميرُها من عمق المآسي والأزمات،وهو قضاءُ رحمةٍ  لا شكَّ في ذلك؛لأنَّ الشدَّةَ والمأساةَ لا تزيدُ الأمَّةَ إلاَّ صلابةً على الموقف ورجوعًا إلى الحق واستمساكًا بالهُوِيَّة..الزَّيتُ لا يخرجُ إلا بالعصر، ولذَّةُ العَسل خلفَ إِبَرِ النَّحل والشمعةُ لا تضيءُ إلا إذا احترقت،ولا يدركُ السادةَ من لزمَ الوِسادة ..
   تمرُّ بالأمَّة هذه الأيَّام مشاهدُ في غزَّةَ تستوقفُ الناظرين،وتستدعي التأمُّلَ والتبصُّر،مشاهدُ تُبكي العينَ حقًّا وتهزُّ المشاعرَ هزًّا،تعتصرُ الفؤادَ بالهمّ والغمّ والألم:
                       أطفالُ غزَّة يصرُخونَ ومالهم ** عمرٌو  ولا سعدٌ  ولا خطَّابُ
                      يا ربُّ يا رحمنُ فانصُر أمَّةً  **  قد أُغلقَت من دونها الأبواب
  تلك المشاهدُ-معشر المؤمنين-على مرارتها فإنَّها تُشعُّ بالدروس والعبر لمن كان له قلبٌ أو ألقى البصر وهو شهيد..!
 أوَّلُ تلكَ الدُّروس نوجّهُها للأمَّة  : سؤالٌ يحتاجُ إلى إجابة تصيرُ عقيدةً في كل قلب،ومنهجًا في كل حياة : لماذا اجتمعَ على إبادة هؤلاء القريبُ والبعيد،العربيُّ والنصراني واليهودي ،ما الجريرة التي اقترفوها حتى اجتمع على اهتضامهم عتوُّ الأقوياء وكيدُ الأصدقاء وخيانَةُ الجيران ؟! الجوابُ قالهُ لكم ربُّنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم فانتبهوا ولا تكونوا من الغافلين :] وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد(( البروج :8-9). وقال تعالى:] وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطا((الكهف :14) وقال تعالى: ] الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين(168)وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون(169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون(170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين((آل عمران:168-171).  
 الجواب-معشر المؤمنين- أنهم قالوا:  "لا إله إلا الله " قولاً صادقًا باللسان والقلب ومنهج الحياة..! إذًا تُقاتلهم على ذلك العربُ العُملاء واليهودُ الجُبناء والعَجَم الحاقدون..!
  هذه القلَّةُ المؤمنةُ الصابرة التي لا تزالُ تتمسَّكُ بالعقيدة وتقاتلُ دونها لا بُدَّ أن تختفي من الأرض،لأنَّ الأقوياءَ من الكُفار والجُبناءَ من العرب يريدُون فلسطينَ السلامَ والحمائمَ البيضاء،يريدُونَ فلسطينَ جديدة يُحسنُ أبناؤُها حملَ غُصنِ الزيتون ولا يُحسنون حَمْلَ الرشَّاشات ولا نصبَ صواريخ  "قراد و القسَّام " في سبيل الدفاع عن أرضهم وعقيدتهم ضدَّ المُحتل..!  
هذه الحقيقةُ احفَظُوها ولا تفرّطُوا فيها،فالأيامُ دُوَل،والليالي حُبالى،والذي يضحكُ اليومَ قد يبكي غدًا،وشرُّ النفوس نفسٌ لا تسمعُ ولا تبصرُ ولا تتَّعظ..!،قال تعالى:]  الم(1)أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُون(2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين((العنكبوت:1-3).
وأما الدرسُ الثاني –معشر المؤمنين- من دروس هذه المأساة فهو انكشافُ حقيقة الخيانة العربية لكلّ ذي عينين،وظهورُ سيناريو التآمُر الرسمي ضدَّ مصلحة الأمَّة للأعمى فضلاً عن المُبصر . قال النبيُّr : " من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله "(صحيح الترغيب والترهيب) وقالr :" من أعان ظالما بباطل ليدحض بباطله حقا فقد برىء من ذمة الله Uوذمة رسوله" . (الصحيحة1021) . وقال سبحانه :]وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً ( (النساء75 ) .
   هذا الأمرُ ليسَ بالجديد على الأمَّة فقد قرأتهُ في التاريخ،وتابعتهُ في أحداث سقوط العراق وأفغانستان وتدمير كشمير وتدمير لبنان في الآونة الأخيرة..وها نحنُ نرى نفسَ السيناريو اليوم في غزَّة ولكن بشكل واضح صريح لا يقبلُ الإخفاءَ ولا التأويل..!    
قال الملوكُ غدًا نحمي ديـارَكُمُ     **   ليتَ الأخلاَّءَ ما قالوا وما فعلوا
وعلَّلونا بساحِ المجـــدِ ننزِلُها     **     إذا بهم ساعةَ الجُـلَى همُ العِلَلُ
قالوا: الكرامةُ!...قلنا أينَ صاحبُها ؟!  **  قالوا: الرجولةُ!... قلنا أيُّهُم رجُلُ
باعُوكِ غزَّةَ فلتهنَأْ ظَـــمائِرُهم   **     أمـا تراها على الدُّولارِ تشتعـلُ
وكيفَ تنقذُ أرضَ العُربِ جامعةٌ    **   يسودُهـا مبدأُ التفريـقِ والجَـدلُ
أُنظُر إليها وقـد شالت نجائبُـها  **    كأنَّها مـوكبٌ للـعار ينتقــلُ
 أيها الإخوةُ في اللهما الذي تستفيدُهُ الأمَّةُ المسلمة من هذا الدرس ؟
  الواقعُ أنَّها لن تستفيدَ من هذا الدرس بالحماسة الفيَّاضة،والقفزات المُحطّمة،وإسالة الدّماء،وإفساد ما أصلحهُ اللهُ في أرض المسلمين منذُ سنين،لا تستفيدُ من هذا الدرس بتخريب الاقتصاد،وتحطيم البلاد، وإزهاق الأرواح،فهذه حماقاتٌ يدفعها العقل،ويأباها منهجُ السلف في التعامل مع أخطاء الحُكَّام،وهي إن حصلت تُفرحُ اليهودَ أكثر فأكثَر،الواجبُ على الأمَّة أن تستثمرَ هذه المأساة استثمارًا إيجابيًّا صحيحًا، هذا الاستثمارُ هو عدمُ التعويل على الأنظمة العربية في النهوض بقضايا الأمَّة،إذ هي في الجُملة مقيَّدةٌ مكبَّلة،لا تملكُ فعلَ شيء الآن،وبعضُها يدينُ للأعاجم واليهود بالولاء والمساندة؛ حفظًا للمُلك،وحفاظًا على العرش،وإطالةً للَذَّة الحياة والنعيم..!  
   على الجماهير الشعبية أن تُحدّدَ موقفها من الإسلام بوضُوح،عليها أن ترجعَ إلى دينها وعقيدتها رجوعَ صدق ووُضوح،عليها أن تعلنَ بصراحة في أنفسها وبيوتها وأولادها ومدارسها وإداراتها وأسواقها الإسلامَ منهجًا للحياة،عليها أن تفكّر ماذا ستُقدّمه الآن وبعد عشر سنين وخمسين سنة لفلسطين والإسلام ،فإنَّ اليهودَ يفكّرون كذلك ويخططون هكذا،إذا فعلنا كذلك-معشر المؤمنين-  تميَّزَ الخبيثُ من الطيب، وحضَّرنا للنصر والتمكين بِجِد،إيمانًا يقول الله تعالى: ]إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ((الرعد:11).  
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
أيها الإخوةُ في الله:  ليسَت هذه المجازرُ والمذابحُ بالأمر الجديد من اليهود على فلسطين،فقد سبقتها ملاحمُ وملاحم لم تُثن من عزم الأمَّة على الإطلاق،فالحقُّ باق ما بقيت الحياة،ومن عُمق الجراح والنَّكبات تستعيدُ الأمَّةُ عافيتها ويصحُوا ضميرُها من جديد : 
يوم السبت 09 أفريل 1948م  على الساعة الرابعة صباحًا وقعت مذبحةُ دير ياسين التي يندى لها الجبين،قريةٌ كاملةٌ تقعُ على مشارف القُدس أُبيدت بأكملها ذبحًا ورميًا بالرصاص وضربًا بالفؤوس، دخل اليهود القريةَ فأبادوا كلَّ من فيها من الرجال،وقتلوا خمسًا وعشرين امرأةً حاملاً،وبقروا البطون وعبثوا بالأجنَّة،وقتلوا اثنين وخمسين طفلاً لم يتجاوزوا العاشرة،ورموا الشيوخ والعجائز بالرصاص،وحملوا عددا من الفتيات وجردوهن من الملابس وطافوا بهن بالسيارات المفتوحة في شوارع القدس . كان الإنجليز في ذلك الزمان يسمعون الصرخات والطلقات ويرون الدخان في السماء ولم يتحركوا لإنهائها أو حتى لإنقاذ الأطفال والنساء والشيوخ .. // قريةُ ناصر الدين من أعمالِ طبريَّة مسحها الصهاينةُ من الوجود،مذبحةُ بيت الخُوري في 05 ماي1948م قتل فيها الرجال والنساء والأطفال //  قريةُ الزيتُون جمعَ اليهودُ الرجالَ والنساءَ والأطفال في جامع القرية ثم بثُّوا الألغامَ في جوانب المسجد فانهدم على من فيه .
إبادة جماعية في قرية شَرَفات في السابع فيفري 1951م // مذبحةُ قرية بيت جالا في 1952م، ومذبحة غزة في 1955م// ومذبحة شاطئ طبريا في 1955م// ومذبحة غزة الثانية  في 1956م حيثُ سلَّطَ اليهود نيرانَ مدافعهم على السُّكّان،وكذلك فعلوا في قرية دير البَلَح وعَيْسان استُشهدَ العشرات وجُرح المئات //  مجزرةُ كفر قاسم في 1956م// ومجزرة رفح في 12/نوفمبر/1956م// ومذابح تل الزعتر في 1976م راح ضحيتها 3500 قتيل أبيدت فيها عائلات بأكملها..
مذابحُ صبرا وشتيلا في  16 سبتمبر 1982م  ؛ ست وثلاثون ساعة من الذبح بقيادة  "إرييل شارون " وزير الدفاع آنذاك راح ضحيتها 1500 شهيد، بُقِرت فيها البطون واغتصبت يومئذ النساء  وقتل الشيوخ والأطفال . .!  / / حصارُ المخيمات الفلسطينية سنة 1986م لأكثر من خمسة أشهر حتى أن الناس كانوا يطلبون فتوى شرعية في جواز أكل الفئران والجرذان والقطط . . //  مجزرة الخليل في 26 فيفري 1994م على المصلين في المسجد الإبراهيمي . .
كلُّ ذلك- معشر المؤمنين- وعزائمهم قويَّة،ما شُلَّت ولا فُتَّت..] فما وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين(...
وكانوا في كل ذلك متوكّلين على الله وحده لا شريك له،لا يؤمنون إلا بالمقاومة المشروعة لاسترجاع الحقوقِ المسلوبةِ من المُحتل،وأما العرب ُ فدائمًا يشجُبون ويندّدون ويستنكرون ثم لا يفعلون شيئًا .  . !
  يا أمَّة العربِ الكِرامْ.. نامي بأحضانِ السلامْ..ترعاكِ أسرابُ الحَمَامْ.. وتصونُ حُلمَكِ أن تُعكِّرَ صفوَهُ سُحُبُ الظَّلامْ..نامِي فَمِن حَقِّ القَنا أن تستريحَ منَ الصِّدَامْ .. وعلى المُحارِبِ أن يُجرِّبَ مَرَّةً دفْءَ المَنَامْ.. ويَذُوقَ من بعدِ الطِّعانِ يذُوقَ فاكهةَ السلام..نامِي على جَمرِ الغَرامْ... يا أمَّة العربِ الكِرَامْ...تحميكِ أمريكَا " الوَفِيَّة " من إصاباتِ الزُّكامْ..!!!    
  اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين  . .
  اللهم  كن لإخواننا المستضعفين في غزَّة وفي كل مكان / اللهم كن لهم عونًا ونصيرَا/ اللهم اكتُب لهم نَصْرَك / وأسْعِفهم بجُندِك/ اشف مرضاهم/ واقبل شهداءَهم/ وعاف مبتلاهُم/ ارحم صغيرهم /وارأف بكبيرهم/ وصُن أعراضَهم /و احفظ عقولهم وهمَّتَهُم يا ربَّ العالمين  .
   اللهم إنَّكَ ترى مكانَهم،وتُبصرُ حالَهم،قد تآمرَ عليهم القريبُ والبعيد،ولا يملكون إلا الدعاء، فخفِّف عنهم ما هم فيه،يا ربَّ المساكين،يا غياثَ المستغيثين/و يا رب العالمين .                    
اللهم إنَّهم قد انقطعت عنهم الأسباب كما ترى،وخذلهم الجارُ كما ترى،وأُغلقت في وُجوههم الأبواب كما ترى،فما ترى يا من يَرَى ولا يُرَى...؟!
اللهم أنزل بأسك باليهود الغاصبين / أرنا فيهم يومًا أسودَا / تشفي به صُدورَ قوم مؤمنين / اللهم أنزل عليهم بأسَكَ وسخَطَك/وأرنا فيهم عجائبَ قُدرتك/يا جبار السموات والأرض/ يا قويُّ يا عزيز  .
اللهم مُنزلَ الكتاب،ومُجري السَّحاب/هازمَ الأحزابْ/  اجعل مع كل صاروخ قسَّام مَلَكًا من الملائكة،يسدّدُ رميَتَهم،ويزلزلُ على اليهود ديارهم، يا جبار السموات والأرض/ يا قويُّ يا عزيز / عزَّ جاهُك / وتقدَّست أسماؤُك .. يا رب... !

 وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك،وصلّ اللهم وسلم وبارك على نبيّك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 
      

هل أعجبك الموضوع ؟

هناك تعليق واحد:

  1. الله يشهد ونحن والتاريخ بأنك قد بلغت
    عبد الرزاق

    ردحذف

كافة الحقوق محفوظة 2015 © ملتقى النبلاء / المبرمج يوسف حجاب