سلسلة خطب جمعة " أرشيف لله ثم للتاريخ " :  " دروس من مجازر غزَّة 2. .  11محرم 1430هـ/09 جانفي2009م.


      انتبه :   الصراع واحد . .إنما الاختلاف في التوقيت فحسب . . 

الاستفتاح بخطبة الحاجة،ثم أما بعد : أيها الإخوةُ في الله :
   لا تزالُ الأوضاعُ في فلسطين تستوقفُ الناظرين،وتدعوهم للتبصُّر والتفكُّر،وهي أحداثٌ على مرارتها تُشعُّ بالدروس والعبر،وهذه طبيعة المآسي والأزمات عامَّة لا تخلُوا دائمًا من المنح والفوائد،فإلى تلك الدروس نُلقي السمعَ والشهادة :
 درسُنا الأوَّل في هذه الجمعة : أنَّ اليهودَ-معشر المؤمنين- على رغم جُبنِهم وخُنوعهم يدٌ واحدةٌ على من سواهُم،شعبًا وحكومة، ساسةً وقادةً حربيّين،صغارًا وكبارًا،نساءً ورجالاً،أغنياءَ وفقراء،مثقَّفين وغير مثقَّفين،كلُّهم في طريق واحد :" العملُ لمجد إسرائيل الكبيرة التي تمتدُّ من النيل إلى الفُرات ولو بعد ألف سنة . وأمَّا العربُ فالواقعُ أثبت أنَّهم كياناتٌ متضاربةٌ متصارعة،شيعٌ وأحزاب،فرقٌ وطرائق، قتلهم الاختلافُ وفرَّقتهم المصالحُ والأهواء،على مستوى الشعوب والحكومات،على مستوى ساستهم وعسكرهم،نسائهم ورجالهم،أغنيائهم وفقرائهم،مثقَّفيهم وجُهَّالهم . .كلُّ في طريق،ولكلٍّ ليلاه،لا يجمعهم همٌّ ولا هدف . .
أتدرون لماذا تميَّزَ اليهودُ عن العرب فكان الذُّلُّ والعار على العرب رغم كثرتهم،وكان الانتفاشُ والانتصار لليهود رغمَ قِلَّتِهم وذِلَّتهم...؟
انتبهوا-معشر المؤمنين- : اليهودُ جعلوا العقيدةَ والشعورَ الدّيني أساسَ حياتهم ومماتهم،أساسَ قيامِ دولتهم وبناءِ مناهجِ تعليمهم و تربيةِ شعبهم،عليها يعيشون، وفي سبيلها يقاتلون.. / وأما المسلمون فهم باللغة الدارجة :" غاشي عظيم"..ولكنَّهُم  اتَّخَذُوا عقيدَتَهم ظِهريَّا،لا علاقة لها بحياتهم،ولا بمناهج تعليمهم ولا بسياستهم ومؤسَّساتهم،لا تصنعُ مصالحهم وآمالَهم،ولا دخلَ لها في حروبهم ووَلائِهم،غايةُ ما لها في حياتهم أنَّهم بها ينطقون، ولحروفها يردّدون،وفي خمس أوقات بها يصلُّون،ثم لا يُسْمَعُ لها بعد ذلك في الحياة رِكزٌ ولا صَدَى..!  انتبهوا-معشر المؤمنين- :  دولةُ الصهاينة إسرائيل سُمّيت باسمِ نبيِّ اللهِ يعقوبَ u،فاسمُهُ إسرائيل وهم إليه ينتسبون " بنُو إسرائيل"..
الأرض التي احتلوها فلسطين هي أرض الميعاد التي وعدهم بها الربُّ كما يزعمون في توراتهم المحرَّفة.
النجمةُ السداسية في وسط عَلَمهم تُنسبُ إلى داوُدu حيثُ يتطابقُ فيها مثلَّثان للدلالة على تعاضُد السلطة المدنية والدينية كما كان في زمن  المَلِكَين النبِيَّين داودُ وسليمان عليهما السلام .
 الخطَّان الأزرقان في عَلمهم للإشارة إلى النيل والفُرات حدودِ دولتهم المنشودة، والرمزُ الرسمي لدولتهم هو الشمعدان بفروعه السبعةِ يرمزُ إلى أيَّام الخليقة السبعةِ . العملة المعدنية التي يتعاملون بها منذُ عقدٍ رُسمَ عليها حدودُ دولتهم من النيل إلى الفرات . .
    في كلِّ دَبَّابةٍ نُسخةٌ من التوراة، وتدريسُ المعارك التي وردت في التوراة ضروري في تكوين كلِّ جندي و مُقرَّرٌ في كل كُلٍّيةٍ حربية . مع كلِّ كتيبة مقاتلة واعظٌ و حاخام برتبة عسكرية ليكونا بمثابة النواة للمقاتِلين .  ./حربُ 1967م أطلقوا عليها " حرب الأيَّام الستَّة" رغم أنَّها لم تكن ستَّةَ أيَّام، ولكن لأنَّ النبيَّ يوشع u شنَّ حربَ الستَّةِ أيَّام على أعدائه يوم الاثنين كما تذكُر توراتُهم ..!
 يعتبرون جنوب لبنان جزءًا من أرضهم لأنَّها الأرض التي عاشت عليها قبيلة " عاشُو " التي وردَ ذكرُها في التوراة..!
  عندما أرادوا إقامةَ سفارةٍ لهم في مصر رفضُوا أن تكون على الحدود الشرقية للنيل وأصرُّوا على كونها في الضِّفَّة الأخرى للنيل،أتدرون لماذا ؟ لأنَّهم يعلمون أنَّ حدودَ دولتِهم تنتهي في آمالِهم عند الضِّفَّةِ الشرقية للنيل،فلا بُدَّ أن تكونَ سفارتهم في دولة الغير في أرض الغير التي تبدأُ في آمالهم من الضِّفَّة الأخرى للنيل..! /  قال " موشي دَيَّان"  :" إنَّ جيشنا ليست مهمَّتُهُ الأساسية حمايةَ الصناعات،وإنَّما رسالته حمايةُ المقدَّسات،وعلى هذا الأساس يتدرَّبُ ويقاتِل..". وقال بعد حرب 1967م :" هذا يومٌ بيوم خيبر ،يا لثارات خيبر ".
  بعد هذه الحرب أصدروا بطاقات معايدة كتبوا فيها :" هزيمة الهلال "..ورُسِم على بعضها جنودٌ يُطلُّون من مآذن المساجد الإسلامية وكتبوا تحتها :" المؤذنون الجُدُد في الشرق الأوسط". .
أيها الإخوةُ في الله:  هذا قليلٌ جدًّا من كثير ،هذه حياة اليهود وهذا منهجهم في الحياة..
  مجتمعٌ في الأرض المحتلة يتألَّفُ من مُهاجري 102 دولة،يتكلمون 70 لغة مختلفة من شتات الأرض جمعهم الهمُّ الواحد والهدفُ الواحد والعقيدة الواحدة،رغم اختلاف الألوان واللغات والقوميات والعناصر والأوطان والأفكار . .! وأما المسلمون-كبارًا وصغارًا،حُكَّامًا وشعوبًا- فأنتم تعرفون حياتَهم ومنهجهم في الحياة وما الذي يجمعهُم وما الذي يفرٍّقُهُم..! ويكفي أنَّنا نزعنا من التعليم كلَّ ما يتحدَّث عن اليهود أو الجهاد من قريب أو بعيد،نزعنا منه كل ما يدُلُّ على الطريق والنصر..فكان ما كان من بداية ظهور جيل لا يحملُ همًّا إلا الفَرج ،ولا يعيشُ لقضية إلاَّ الخبز..!! 
  حينَ نفهمُ هذه الفائدة ونسيرُ عليها في الحياة ونرسُمُ بها حركتنا في الحياة ستتغيَّرُ المعادلة بحق،قال الله تعالى: ]إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ((الرعد:11). 
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
أيها الإخوةُ في الله: وأما الفائدةُ الثانية التي نستفيدُها من دروس المحنة الفلسطينية وما صاحبها من مواقفَ وأحداث هو أنَّ الشعوبَ المسلمةَ في أعماقها حيَة،وأنَّ عهدها للإسلام لا يزالُ ينبضُ بالحياة، رغم ما تراكمَ عليه من الأوحال والأتربة،ورغم ما أصاب عهدَها من التشويه والتحريف والابتذال..
  الأمَّةُ حيَّةٌ لم تمُت بعد،وليس الموتُ من طبيعتها،وإن مرضت أو غفلت فسُرعانَ ما تستعيدُ نشاطَها وحيويَّتَها متى ما لامست الأسباب الحقيقيةَ للحياة،هذه فائدةٌ من أعظم الفوائد،تفتحُ للدعاةِ بابَ الاستثمارِ الحقيقيّ الصحيح،على طريق البناء والتربية لا على طريق الغُثاء والتكتيل . .
    عواطفُ الشعوبِ نحوَ الإسلام لا تزالُ تنبضُ بالحياة،واعتبر ذلك في الهجوم على النبيّr و أزواجه وأصحابه وفي حرب الكفار على العراق ولبنانَ وفلسطين وأفغانستان . .
   عواطفُ الشعوبِ نحوَ الإسلام لا تزالُ تنبضُ بالحياة ؛ولكنَّها تختفي وراء رُكام هائل من الخرافات والأباطيل والبِدَع،من الانحرافات والتصوُّرات الخاطئة،من الأفكار والعقائد الفاسدة،من الأخلاق والممارسات السَّلبية المنحرفة..هذه الانحرافات تجعلُ اندفاعَ تلك العاطفة آنيًّا لا يتجاوزُ ردَّ الفعل أو في الطريق الخاطئ الذي يفسدُ من حيثُ يظنُّ الإصلاح.. 
   لو وَجَدت الشعوبُ من يُوجّهُ عاطفتَها توجيهًا صحيحًا سليمًا،توجيهًا يُجنّبُها المزالقَ والمهالك،لو وجدت من يأخذُ بيدها في طريق الإسلام الصحيح ،لو حصلَ ذلك مضروبًا في الزَّمن والصبر لحقَّقنا منها الكثيرَ والخيرَ الوفيرَ للإسلام..!   الإنسانُ هو الإنسان . . والإسلامُ هو الإسلام . .والعوائقُ هي العوائق . . لا تختلفُ الصورةُ إلا في الزَّمن وفي تحديد الروابط التي تجعل الإنسانَ الحي يلتقي بالإسلام الحَي . .عندها يكونُ نصرُ الله وتمكينُه . . ! الإسلامُ كالأسد  الهصور يخيفُ الأعداءَ  وهو نائم.. ويُخيفُهم وهو يتملمَلُ يريدُ أن يستفيق..ويُفزِعُهم حين ينهضُ ويستفيقْ..! ولكنَّ المشكلةَ أنَّنا لم نلتقِ الإسلامَ الصحيحَ بعد.. حين يحصُلُ الالتقاءُ والتلاحُم فليفرح المؤمنون بنصر الله..!
  لا ينبغي أن نستهينَ بالقوَّة الداخلية الموجودة في الشعب ولا حتََّى في الأطفال،فلو وجدت الطريقَ الصحيح صنعت العجائب،  واعتبر ب :" محمد الفاتح " الذي فتح القسطنطينية مبدأُ أمره كان تربيةً إيمانيةً نفسيةً قويَّة رسَّخها فيه معلّمُهُ:" أحمد بن إسماعيل الكُوراني" والشيخ"آق شمس الدين" اللذان كانا يوحيان إليه منذُ صغره أنَّهُ الأميرُ المقصودُ بفتح القسطنطينية ،وانَّهُ من سيتحقَّقُ منه ما رُوي عن النبيّ r أنه قال:" لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش"[1]. فتحقَّق الفتحُ على يده فعلاً . .  الأمرُ أشدُّ من ذلك –معشر المؤمنين- فإنَّ الإسلام علَّمنا أنَّ القوَّة الداخلية إنَّما تبدأُ من أمنية الوالد في إنجاب أولاد يحملون همَّ الحقّ في العالمين،تلك الأمنية تصنع الأعاجيب .. ولكن أين من يفهم وأين من يعي...؟!  : في البخاري عن أبي هريرة أن النبيَّ r قال:" قال سليمانُ بن داود u :لأطُوفَنَّ الليلة على مائة امرأة كلُّهنَّ يأتي بفارس يُجاهدُ في سبيل الله" ولم يقل:إن شاء الله،قال النبي r:" لو قال إن شاء الله لجاهدُوا في سبيل الله فرسانًا أجمعين"[2].   
  نسأل الله التوفيقَ إلى ما يحب ويرضى  . .  اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين  . .
    اللهم  كن لإخواننا المستضعفين في غزَّة وفي كل مكان / اللهم كن لهم عونًا ونصيرَا/ اللهم اكتُب لهم نَصْرَك / وأسْعِفهم بجُندِك/ وتوَلَّهم بقدرتك/ اللهم اشف مرضاهم/ واقبل شهداءَهم/ وعاف مبتلاهُم/ ارحم صغيرهم /وارأف بكبيرهم/ وصُن أعراضَهم ونساءَهم /و احفظ عقولهم وهمَّتَهُم يا ربَّ العالمين  .
   اللهم إنَّكَ ترى مكانَهم،وتُبصرُ حالَهم،قد تآمرَ عليهم القريبُ والبعيد،ولا يملكون إلا الدعاء، فخفِّف عنهم ما هم فيه،يا ربَّ المساكين،يا غياثَ المستغيثين/و يا رب العالمين .                     
اللهم إنَّهم قد انقطعت عنهم الأسباب، وأُغلقت في وُجوههم الأبواب ،خذلهم الجارُ والقريبُ والبعيد...فاللهم افتح عليهم نصرك بالأسباب وبغير الأسباب وبضدها ؟!
اللهم أنزل بأسك باليهود الغاصبين / أرنا فيهم يومًا أسودَا / تشفي به صُدورَ قوم مؤمنين / اللهم أنزل عليهم بأسَكَ وسخَطَك/وأرنا فيهم عجائبَ قُدرتك/يا جبار السموات والأرض/ يا قويُّ يا عزيز  .
اللهم مُنزلَ الكتاب،ومُجري السَّحاب/هازمَ الأحزابْ/  اجعل مع كل صاروخ قسَّام مَلَكًا من الملائكة،يسدّدُ رميَتَهم،ويزلزلُ على اليهود ديارهم، يا جبار السموات والأرض/ يا قويُّ يا عزيز / عزَّ جاهُك / وتقدَّست أسماؤُك .. يا رب... !
 وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك،وصلّ اللهم وسلم وبارك على نبيّك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .  





[1] - الضعيفة(878).
[2] - البخاري(2819).

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2015 © ملتقى النبلاء / المبرمج يوسف حجاب