توجيهٌ عام حول " قضيَّةِ رفض الوالدين للخُطَّاب " : أسبابها ، نتائجها ، توجيـــــــهات .



                  توجيهٌ عام حول  "  قضيَّةِ رفض الوالدين للخُطَّاب  "   :  أسبابها ، نتائجها ، توجيـــــــهات . 
الرفض المتواصل للخُطّاب مظهرٌ من مظاهر الاستبداد و التعسُّفِ في استعمالِ الولاية على البنت ، و هو شكلٌ من أشكالِ تضييعِ الأمانة [ يُسمَّى بالعضل ]. .
    أوَّلُ من عالجَ هذه الظاهرة النبيُّ صلى الله عليه وسلم  :
   ففي السنة القولية : نقرأ قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " [ حسن: سنن الترمذي 1084] .  فالواجب على الوالدين النظر في حال الخاطِبِ نظرًا شرعيًّا صحينحًا متوازنًا بعيدًا عن الهوى و التحيز و الحيف ، ولمصلحة البنت لا لمصلحة أي شخص كائنا من كان لأنها سوف تعيش معه .
    و في السنة العملية :  ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان :" إذا أراد أن يزوّجَ بنتًا من بناته جلس إلى خدرها،فقال: إن فلانًا يذكُرُ فلانة-يسمّيها ويسمّي الرجل الذي يذكُرُها- فإن هي سكتت زوَّجَها،أو إن هي كرهت نقرت الستر،فإذا نقرته لم يزوّجها "(الصحيحة2973) .    الله أكبر . . انظُر إلى صحبة البنت و رعاية اختيارها !
أسباب هذه الظاهرة :
 بعض البيوت وقعت في هذا بسبب :
 الغرور وشدَّة الاعتزاز بالبنت : ( الاعتزاز مطلوب ولكن بهذا الشكل هو صفةٌ مَرَضِيّة = تماما مثل قصَة الدب الذي قتل سيّدَهُ من شدّة الحرص عليه !! ) .
عدم تصور المصلحة الحقيقية للبنت : رفض الخُطاب بحثًا عن الفرصة الناعمة  =  التي لا توجدُ حتَّى في الأحلام ..!
تغليب المصلحة الذاتية على مصلحة البنت : بسبب كثرة الأشغال في البيت،وتراكم الأولاد يُحتفظ بالبنت للعمل..!!!  أو بسبب كون البنت تعمل ولها مدخول  يُحتفظ بها للاستفادة ..!!!
نتائجها :
زوال النعمة : الخُطَّابُ نعمةٌ يسوقُها اللهُ للبيوت[ بيتٌ لهُ القَبُول] ،عدم شُكرها أو التكبُّر على قَسْمِ الله للعبد يؤدّي إلى زوال النعم [ ويحصل الندم ] .
تقدُّم السِّن وبالتالي تقلُّص الحظّ في الزواج وتكوين أسرة  [ هذا واقع والمؤمن مطالب بتقديم الأسباب ].
المشاكل التي تترتب على عدم الزواج :  البنات أصناف  :
أ‌-                 مؤمنة صابرة محتسبة :  تحمل قيم إيمانية  تعصمها من الوقوع في العُقدِ النفسية  والانحرافات الأخلاقية[ يزوجها الله يوم القيامة بما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر] .
ب‌-            ضعيفةُ الإيمان  : صبرُها ضعيف،واحتسابها ضعيف [ عُقد نفسية ، أو جُنون.. ..] .
ت‌-            الفتاةُ غيرُ المؤمنة : تأخذ طريق الانحرافات الأخلاقية . .  
الحلول والتوجيهات :
تصور المصلحة الحقيقية للبنت :  مصلحتها في الزواج ممن توفرت فيه الصفات الأساسية حتى وإن لم تتوفر فيه الصفات التفضيلية، في روايةٍ للترمذي عن أبي حاتم المُزَني t قال : قال r :" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد " ،قالوا : يا رسول الله وان كان فيه ؟ قال  :" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه " ثلاث مرات [ حسن: سنن الترمذي 1085] .   [ الجمال والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والبلد كلها صفات تفضيلية  : قال تعالى : )وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم[ (النور32 ). 
سعي البنت لإيجاد الوسطاء بينها وبين والديها في حالة ثبوت العضل : الذين يحصل بتدخلهم التأثير والإقناع و النصرَةُ و تغليب مصلحتها الحقيقية . 
في الحالات المستعصية جدا : يُشرع رفع الأمر للحاكم للفصل فيها وفق ما تقتضيه مصلحة البنت ، وليس هذا آنئذٍ من العقوق .  
        


أكمل القراءة

حدود وضوابط الكذب بين الزوجين



                           حدود وضوابط الكذب بين الزوجين :
حيّاكم الله معشر الأكارم النبلاء الطيّبين يا من سكنتم القلب على الدوام . .
 حديثنا اليوم حول موضوع " الكذب بين الزوجين حدوده و ضوابطه  "  :
  أوَّلاً  :الأصل في الكذب الحرمة كما هو معلوم :  
   وهو خصلة ذميمة من خصال المنافقين، وقد تظاهرت الآيات والأحاديث على تحريم الكذب بشكل عام : عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر "  رواه البخاري مسلم .
ثانيًا (الرد على من جعل الكذب على الزوجة منهج حياة):
   الأصل في الحياة الزوجية قيامُها على الصدق والثقة والمصارحة والشفافية،لا على الاستغفال والخداع والوهم والضبابية ////  وإذا كان المسلمُ نُهيَ عن الكذب على الصبي الصغير ولو للمصلحة فكيف بالكذب على الكبير ؟! :
   عن عبد الله بن عامر قال : دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت ها تعال أعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم:" وما أردت أن تعطيه؟"  قالت أعطيه تمرا فقال لها رسول الله  :"أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة " ( الصحيحة:748).   
   ثالثًا : ما هي حقيقة هذا الموضوع ؟ :
   في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه (2605)عن أم كلثوم رضي الله عنها قالت: "ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول القول يريد به الإصلاح (أي بين الناس)، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها ".
معنى كلمة " يُحدّثُ و تُحدّثُ " في هذا الحديث : ليست مُطلقة في جميع الأخبار والكلام وإنما المقصودُ بها معنًى خاصًّا وهو 
 الاسترضاءُ لاستدامة الصُّحبة وتحصيل الألفة = عندما يكونُ الصدقُ في القول مُفسدًا لذلك  (موازنة بين مفاسد) .
  ودليل ذلك ما روتهُ أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :" لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس "(صحيح:سنن الترمذي 1939) .
   ويشهد له عن عطاء بن يسار قال جاء رجل إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال : يا رسول الله هل علي جناح أن أكذب على أهلي ؟ قال  : " لا فلا يحب الله الكذب " . قال : يا رسول الله أستصلحها وأستطيب نفسها، قال :" لا جناح عليك "  ( وإسناده صحيح : الصحيحة 2/83 ) .
أمثلة مما يجوز فيه الكذب بين الزوجين أحدِهِما على الآخر :
وجود المحبة والرضا في القلب  :
   نحو الشخص و جماله ومنزلته وطعامه وسلوكه وما شابه (أمور العِشرة) :   ويُذكرُ في هذا حادثة ابن أبي عذرة الدؤلي مع امرأته حينما قال لها : أنشدك بالله هل تبغضينني ؟ قالت : لا تنشدني , قال : أنشدك بالله , قالت : نعم  " .. فانطلق حتى أتى عمر رضي الله عنه  فأخبره الخبر، فأرسل عمر إلى امرأته فجاءت هي وعمتها , فقال : " أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه ؟  " فقالت:"إنه ناشدني بالله فتحرجت أن أكذب , أفأكذب يا أمير المؤمنين ؟ " قال:" نعم فاكذبي!فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك , فإن أقل البيوت التي يبنى على الحب". 
إخفاءُ ما تحصُلُ المفسدةُ بإظهاره :
كالمعاصي والأخطاء السالفة في حياة الزوجين فهذا من الأمور التي سترها اللهُ على العبد فليستتر بستر الله عليه (ثم إنَّ الصدقَ في هذا مفسدٌ للوُد )  :  عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رجم الأسلمي قال :" اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها فمن أَلَمَّ فليستتر بستر الله  فإنه من يبد لنا صفحته نُقِم عليه كتاب الله "( الصحيحة :663).
أمثلة مما لا يجوز الكذب فيه بين الزوجين : [ هنا لا بد من المصارحة و الصدق و الشفافية و الحزم في رسم الحدود منذ البداية / عند الضرورة  : التورية لا الكذب ] :
  أين كنتَ أو أينَ كُنتِ ؟ مع من كُنت ؟  أينَ تغدَّيت ؟ من المُتَّصل ؟ ... فلا يجوزُ قيام العلاقة الزوجية في هذه الأمور على الكذب .. لا . .  : في حديث ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم :".. إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " متفق عليه .
ملاحظة: هل يجوز الحَلِفُ عند كذب أحد الزوجين على الآخر فيما هو مُباح ؟ :
  جوزَ ذلك العلماء ،وأدرجوا ذلك تحت القاعدة :" يجوزُ تبعًا ملا يجوزُ استقلالاً "،منهم ابن باز [كما في " مسائل ابن باز للمبارك :سؤال 652] .  ومن العلماء من شرطَ عليه التأوُّل والتعريض في الكلام حتى يَحلِفَ على الصّدق(العثيمين : لقاء الباب المفتوح 2/93) . 
                 

        

أكمل القراءة

سلسلة خطب الجمعة: أرشيف لله ثم للتاريخ دروس من أحداث غزة الجريحة 6

سلسلة خطب الجمعة: أرشيف لله ثم للتاريخ دروس من أحداث غزة الجريحة 6  : 09 صفر 1430هـ/06 جانفي2009م

                                      انتبه :   الصراع واحد . .إنما الاختلاف في التوقيت فحسب . . 

الاستفتاح بخطبة الحاجة،ثم أما بعد :  معشر المؤمنين : درسُنا في هذه الجمعة: تأصيلٌ وإرساءٌ لمبدأ قرآني عظيم،هو من أصول الإيمان ومن قضايا العقيدة الكبيرة،مبدأٌ قامت عليه عزَّةُ المسلمين يوم قام في القلوب والأعمال،وغادرتهم تلكَ العزَّةُ والمَنَعة يوم خانُوا هذا الأصلَ الأصيلَ واستبدلُوه .. إنهُ تحقيقُ مبدأ الولاء للإيمان و المؤمنين والبراءة من الكفر و الكافرين بالقلب واللسان والعمل .  .
  هذا المبدأ الأصيلُ،وتلك الصخرةُ العتيدة،ليسَ حرفًا يلفظُ،ولا شعارًا يُحفظ،ليسَ لُعبةً يتلهَّى بها المسلمُ كما يتلهَّى الصغيرُ بلعبته،ولا شعارًا يتغنَّى به كما يتغنَّى الشاعرُ بالبيت الجميل،بل هو عقيدةٌ راسخةٌ في الضمير ينطقُ بها اللسان و تتحرَّكُ بها الجوارحُ الإسلاميةُ في واقع الحياة،تتحرَّكُ بها بالرحمة والحب والموالاة والإعانة والنصرة والتأييد مع المسلم في السراء والضراء في المنشط والمكره،وتتحرك بها بالبغض والعداوة والبراءة وترك الإعانة والتأييد مع عدو الله ورسوله والمؤمنين كائنًا من كان في الحياة..!    
  هذا الأصلُ الأصيلُ هو ما حفظَ للأمَّة بيضَتَها،وجمعَ لها بأسَها وقوَّتَها،فكانت مَخُوفةً مرهوبة لا يُستهانُ بأمرها . .    
   يقول اللهُ تعالى في التأصيل لمبدأ الولاء بين المؤمنين :)وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض( (التوبة:71) ،    ويقول النبيr: " المسلمون تتكافأ دماؤهم،يسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم يرد مُشِدُّهُم على ضعيفهم ومتسرعهم على قاعدهم "(حسن صحيح:سنن أبي داود 2751) .و قال رسول الله r:"من أعطى لله،ومنع لله،وأحب لله،وأبغض لله،فقد استكمل إيمانَهُ"[1]. وقال سبحانه محذّرًا من موالاة الكافرين : )لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْء( (آل عمران28) . و قال سبحانه:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾ (المائدة:51).وقال سبحانه :) وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً((النساء:89).وقال تعالى: ) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيما(138)الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعا(( النساء :138- 139)،
وقال تعالى:) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُون((المائدة81) .
أيها الإخوة في الله:  الولاءُ للمؤمنين والبراءُ من الكافرين هو الصورة الفعلية للتطبيق الواقعي للإيمان،إذا أردت أن تعرفَ وتقيسَ قوة إيمان العبد أو الجماعة أو الهيئة فانظُر ولاءَها للمؤمنين وبراءَها من الكافرين في واقع مواقفها وتصرفاتها،ستعرفُ حينها حقيقةَ موقفها من الإيمان،إذ أنَّهُ لا يمكن أن يجتمع إيمانٌ صادقٌ وموالاةٌ للكافرين أبدَ الآبدين . . إلا في قلب المنافق الذي لم يتعرَّف حقيقةَ الإيمان بعد.. !
   قال الشيخ محمد بنُ عبد الوهاب-رحمه الله-:" إنَّ الإنسانَ لا يستقيمُ له إسلامٌ ولو وحَّدَ اللهَ وتركَ الشرك إلا بعداوة المشركين،والتصريح لهم بالعداوة والبغض كما قال تعالى في سورة المجادلة:) لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَان( "[2] .   
أيها الإخوةُ في الله : في الحوادث التي مرَّت بغزةَ الجريحة ظهر  "الطابور الخامس " الذي ينتمي في الظاهر للأمة وقضاياها،وهو في  الباطن والحقيقة عينٌ لغيرها عليها في المنطقة،يحقق لها- بإخلاصه ووفائه الشديد- ما لم تكن تحلمُ به في يوم من الأيام.  .  هذا الطابور الخبيث فضحه اللهُ فضيحةً ما بعدها فضيحة في هذه الأحداث الجريحة ..!   
  رأيتُمُ  خُذلانَ المؤمنين بأبشع صور الخُذلان من طرف الجار و الصديق في الدار .. رأيتُم تواطُأً عجيبًا على دمائهم وقادتهم وأرزاقهم وأقواتهم وقضيَّتهم . . رأيتُم رُكونًا و مداهنةً في المقابل للكافرين وحُسنَ مجاملة بالقول والفعل على حساب الدين والدماء السائلة والأعراض المنتهَكَة . . رأيتُم اتّخاذ الكافرين بطانةً من دون المؤمنين  يطلعونهم على الأسرار و على ما لا يُطلعون عليه المؤمنين  . . رأيتم مضاحكةً ومصافحةً وبشاشةً للكافرين وقت تقتيلهم للمؤمنين وانتهاكهم للأعراض والأوطان(وقد أثَّر فيكم موقفُ أردوغان لأنَّهُ خرجَ عن هذا الخطّ المألوف في العرب)  . .رأيتُم مناصرةً واضحةً لا تستحي لليهود والكافرين على الحدود المصريَّة  . .رأيتم تجسسًا لا يستحي لصالح الكافرين على المؤمنين ونقلاً للعورات والأسرار ... رأيتُم تباطُأً عجيبًا في عقد المؤتمرات التي تكون لصالح القضية،والسرعةَ العجيبة في عقد المؤتمرات التي تكونُ لصالح العدُو . .
   أحسبُكم –بفضل الله- قد فهمتم الموضوع واستفدتم ،فنسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
أنقلكُم إلى الزمن الأول،زمن الرجال الذين عرفوا هذه العقيدة حقَّ المعرفة فوالوا المؤمنين وعادوا الكافرين واعتزوا بالله عليهم ،تأملوا هذه القصَّةَ لتعرفوا حقيقةَ الإيمان حين يُشرقُ مداهُ في القلوب والدُّروب :
   إنها قصَّةُ دُخول ربعي بن عامرt على رُستُم  :   في المجلس كان الفُرسُ مدجَّجين بالسلاح وعليهم التيجانُ والثيابُ المنسوجةُ بالذَّهب،فأقبلَ ربعيُّ بن عامر على فرس له،معهُ سيفٌ ليسَ له غمد،إنَّما هي لفافةُ ثوب قديم يضعُ فيها سيفهُ البتَّار،ويحملُ رُمحًا في يده،وعلى ظهره ترسٌ وقوس،لما انتهى إلى المجلس دخل بالفرس،فلم ينزل إلا مواجهًا لرُستُم،أرادُوا أن يمنعوهُ فقال: اتركُوه،قالوا لهُ: ضع سلاحكَ،قال: إنّي لم آتِكُم لأضعَ سلاحي بأمرِكم أنتم دعوتُموني،فإن أبيتُم أن آتيكُم كما أريدُ رجعت،فقال لهم رُستُم: دَعُوه،إنَّما هو رجلٌ واحد!،فأقبل ربعي يتوكَّأُ على رُمحه يَزُجُّ النَّمارقَ والبُسُط،فما تركَ لهم نمرَقةً ولا بساطًا إلاَّ أفسدهُ،فلما دنا من رُستم،جلسَ على الأرض وركَّزَ رُمحهُ بالبُسُط،فقالوا: اجلس على الأريكة،قال: إنَّا لا نستحِبُّ القُعودَ على زينتِكم هذه!،فكلمه رُستم فقال: ما جاء بكم ؟،قال:" الله ابتعثنا واللهُ جاءَ بنا،لنُخرجَ من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،ومن ضيق الدنيا إلى سعتها،ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام،فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوَهم إليه،فمن قبلَ منَّا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه،وتركناهُ وأرضهُ يليها دوننا،ومن أبى قاتلناهُ أبدَا،حتى نُفضي إلى موعود الله . قال رُستُم : وما موعودُ الله ؟ قال: الجنَّة ،الجنَّةُ لمن ماتَ على قتال من أبى والظَّفرُ لمن بقي . قال رُستُم : قد سمعتُ مقالتكم فهل لكم ان تؤخِّرُوا هذا الأمرَ حتى ننظُرَ فيه وتنظُروا ؟ قال نعم،كم أحبَّ إليكُم؟ يومًا أو يومين ؟،قال : لا ،بل حتَّى نُكاتبَ أهلَ رأينا ورؤساءَ قومنا . وأرادَ رُستُم مقاربةَ ربعيَّ بنَ عامر-أي يضعَ عليه يدهُ كما يضعُ الصديقُ يدهُ على صديقه ليُكلِّمَهُ في أذُنه- فقال ربعي: إليك،إنَّ مما سنَّ لنا رسولُ اللهr وعملَ به أئِمَّتُنا ألاَّ نُمَكِّنَ للأعداء من آذانِنا،ولا نؤَجِّلَهُم عند اللقاءِ أكثرَ من ثلاث،فنحنُ متردِّدُونَ عنكم ثلاثًا،فانظُر في أمركَ وأمرهم،واختر واحدةً من ثلاث بعد الأجل: الإسلامَ فندعكَ وأرضك،أو الجزاءَ فنقبل ونكُفَّ عنك،وإن كنتَ عن نصرنا غنيًّا تركناكَ منه،وإن كنتَ إليه محتاجًا منعناك،قال: فما الثالث  ؟، قال: أو المنابذةَ في اليوم الرابع،ولسنا نبدأُكَ فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلاَّ أن تبدأنا،وأنا كفيلٌ لك بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى . قال: أسيُّدُهم أنت ؟ قال: لا،ولكنَّ المسلمين كالجسد الواحد بعضهم من بعض يُجيرُ أدناهُم على أعلاهم "(تاريخ الطبري 3/519-520) .
  أقولُ –معشر المؤمنين- :
    واسمحوا لي على الجُرأة في القول وليسامحني ربعيُّ بنُ عامرt - قارنوا بين ربعي بن عامرt في مفاوضاته وبين بعض مفاوضِي اليوم على القضية الفلسطينية،إذا أحسنتم المقارنة أحسنتم فهم القضية،ولا تعليق..!!
    نسأل الله التوفيقَ إلى ما يحب ويرضى  . .  اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين  . .
  



 
 
 
 
         








[1] - حسن: سنن الترمذي(2521)،الصحيحة(380).
[2] - مجموعة التوحيد (ص19)-ط دار الفكر بالقاهرة .
أكمل القراءة

كافة الحقوق محفوظة 2015 © ملتقى النبلاء / المبرمج يوسف حجاب