الاحتكار حقيقته
وحكمه و الفرق بينه وبين الادّخار ؟ :
الاحتكار
جريمة من أقدَم جرائم التبادُل التجاري ، لأنه قائمٌ على الأنانية و الاستغلال و
الجشع ، بناءً على إلحاق الضرر بقانون العرض و الطلب ، وهذا خلافُ القيم الإيمانية
التي دعا إليها الإسلام .
أولاً : لا بُدّ من التفريق بين
الادخار و الاحتكار :
أ / الادّخار احتياطٌ للاستهلاك وهو قائمٌ على
التخطيط والنظر ولا ينافي التوكل : و النفوس إذا حازت
رزقها اطمأنّت و استجمعت قواها و أمِنت من الذلّ و التشتّت : و لذلك يجوز أن يحبسَ المسلم قوت نفسه وعياله
ولو لسنة : لما رواه البخاري في باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله : عن
عمر t أن
النبي r :" كان يبيع نخيل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم " . و في البخاري عن ابن عباس قال : كان أهل اليمن
يحجّون فلا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون ، فإذا قدِمُوا مكة سألوا الناس ، فأنزل
الله تعالى : )وَتَزَوَّدُواْ
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ( ( البقرة : 197).
ب / أنّ الادّخار لا يكون إلا من فائض عن
الحاجات
، بخلافِ الاحتكار فلا يكون إلاّ وقت قلّة الحاجات في السوق .
ج / أن الادّخار نفسَهُ رغم جوازه في الأصل فإنّه تحكمه ضوابط
وقِيَم
[
عدم
الإضرار بالسعر و في غير وقت الضيق العام ]
، أما الاحتكارُ فهو للاستغلال و قائمٌ على الأنانية والطمع ولا يعرف
الضوابط ولا القِيَم .
الاحتكار حقيقته
وحكمه :
الأصل :
أن الربحَ تابعٌ لقانون العرض و الطلب بشكل طبيعي لا دَخْلَ للمكرِ
و الحيلة فيه : إذا قلّ العرضُ أو الجَلبُ أو الإنتاج زاد الطلب فيزيد
السعر ، وإذا كثُرَ العرضُ أو الجلبُ أو
الإنتاج حصل الاكتفاء و ربّما الإغراق فيقل الطلب و بالتالي تنخفضُ الأسعار.
= المحتكِرُون يؤلمهم رَخصُ الأسعار
فيعمَدُون إلى إغلائِها من خلال التدخُّل غير الطبيعي في قانون العرض و الطلب
.
الاحتكار
في اللغة : من الحَكر وهو
الاستحواذ و السيطرة [ على السلعة والثمن ] .
و في الاصطلاح : هو كل عملٍ يرمِي إلى تجميعِ و حبسِ ما يحتاجه الناس من سلَعٍ وقت
قلّتها [ جيوب إخفاء ]، فيكثر عليها الطلب ، فتقع
السوق في الارتفاع المصطَنَع ، فيُخْرِجُهُ حينها المحتكِر ، لينتفِعَ هو و يتضرر
الناس
.
شرح التعريف [ يعرّفنا بحقيقة الاحتكار و
أوصافه و شروطه ] :
أولاً : أن يكون الشيء المحتكر
من الحاجات التي تتعلق بها مصالح الناس : المختارُ أن الاحتكار يجري في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون
بحبسه
سواء كان طعامًا أو غيره ، [ أدوية ، مواد
بناء ، علف الحيوان ، بنزين وقارورات الغاز ، وسائل و مُعِدّات ، بل حتّى
الخَدَمات . . ] .
ثانيًا : أن يكون التجميعُ وقت قلّة
السّلع وارتباط حاجة الناس بها :
ملاحظة
تطبيقية : هل يدخل تخزين السلع في الثلاجات الكبرى ضمن الاحتكار؟ : إذا لم تتعلق بها حاجة الناس زمن التخزين ،
لوفرتها وكثرتها فلا حرج ، أما عند شدّة
الاحتياج فلا يجوز التخزين التجاري لأنه مما يزيد الأسعار .
ثالثاً : أن يكون الشيء المحتَكَر
قد جُمعَ من سُوق المنطقة ( مع اتساع مفهوم سوق المنطقة حاليًا
) : لأنَّ : حق العامة قد تعلق بالشيء النازل
في السوق فلا يجوزُ حبسه عنهم :
في الموطأ (ص 10
) "باب الحُكرةِ والتربّص " عن عمر بن الخطاب قال :" لا حُكرةَ في سوقِنا ، لَا يَعْمِدُ رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ
فُضُولٌ مِنْ أَذْهَابٍ إِلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ نَزَلَ بِسَاحَتِنَا
فَيَحْتَكِرُونَهُ عَلَيْنَا ، وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ
كَبِدِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، فَذَلِكَ ضَيْفُ عُمَرَ ، فَلْيَبِعْ
كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ ، وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ " .
وقد رُوي عنه r أنه قال :" الجالب مرزوق والمحتَكِرُ ملعون " رواه ابن
ماجه .
حكمه :
الاحتكار حرام باتفاق العلماء ، وتتأكد حرمته إذا كان متعلقًّا بأقوات الناس
والبهائم، وأدلة تحريمه كثيرة منها : قوله
- صلى الله عليه وسلم -: " لا يحتكر إلا خاطئ " مسلم ، وقوله
- صلى الله عليه وسلم -: " من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه
" أحمد والحاكم و صحح إسناده أحمد
شاكر . ،
وقال
- صلى الله عليه وسلم - : ((من احتكر على المسلمين
طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس)) رواه ابن ماجه [ 2155 صححه أحمد
شاكر ] .
كيفية
القضاء على الاحتكار :
بتقوى
الله و الإجمال في الطلب : في صحيح الترغيب والترهيب عن حذيفة
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فدعا الناس فقال : هَلُمُّوا إِليَّ . فأَقبَلُوا إليه
فجَلَسُوا ، فقال : " هذا رسولُ ربِّ العالمِينَ ؛ جِبريلُ نَفَثَ في رُوعِي : إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا
وإنْ أبطأَ عليهَا ، فاتَّقُوا اللهَ ؛ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا
يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ لا
يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه " .
بالتوبة
منه و الإصلاح
: بأن يخرج السلعة إلى السوق
ويبيعها بالسعر الذي كانوا يشترونها به ولا يزيد ؛ لأنه منع الناس من شرائها من
غير وجه حق ، فيجب أن يمكنهم منها بالسعر الذي كانوا يشترونها به لو لم يتعدَّ
عليها
.
تدخل
الدولة بالتسعير عند الاقتضاء :
قياما بمصالح الأمة ، أما التسعير من غير ضرورة توجب وجوده فظُلم لا يجوز .
تدخل
الدولة عبر مصالح مكافحة الغلاء والاحتكار: تُسند إليها صلاحيّة البحث والتحري و الضبط في
جريمة الاحتكار ، وللحاكم الحق في الإلزام بالبيع بالتسعير أو التعزير المالي
أو المصادرة .
ربي يهدينا و يرزقنا رزقا حلال
ردحذف