أحكام الصناديق التعاونية التكافلية

أحكام الصناديق التعاونية التكافلية

من أجمل الأفكار و المشاريع تلك التي يكون الهدف منها الإسعافُ و التعاوُن وسدُّ الحاجات : وقد أثنى النبي r على " الأشعريين " - وهم قوم من اليمن " فكرة الصندوق التعاوني لإدارة الأزمات " - كانوا إذا قلَّ طعامهم سفراً أو حضراً اجتمعوا فجاء كل واحدٍ منهم بما يملك ثم تقاسموا ما يجمعونه بينهم  :  فعن أبي موسى t قال : قال النبي r :" إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية ، فهم مني وأنا منهم " رواه البخاري ( 2384 ) ومسلم ( 2500 ). فهم تعاونوا لدفع حاجة أفرادِهم .
                                           المفهوم :     
 [ تنشئُهُ العائلة أو القبيلة أو جماعة الحي أو الأصحاب ..  ] : لأغراض تعاونية بحتة لمصلحة المشتركين [ وقد يكون التنظيمُ بسيطًا ، و قد يقتضي الأمر أن يكون هذا الصندوقُ منظَّمًا تنظيمًا جمعوِيًّا محكَمًا يُنصُّ فيه على : - اسم الصندوق - الهيكل التنظيمي - الأهداف -  تحديد  العضوية  و  المهام – ضبط الإيرادات – آلية الصرف و السياسة المالية . . ] .    
أ / نموذج " جمعية الأصحاب أو الموظّفين "
حكم جمعية الموظفين الجواز :  لأن الأصل في المعاملات الحل  ، وحقيقة هذه الجمعيات أنها : قرض فيه إرفاق بالمقترض حيث أن المقترض يأخذ القرض ويرد مثله بلا زيادة عليه وليس من قبيل القرض الذي جر نفعا
كما أن في هذه الجمعيات التكافل والتعاون على البر والتقوى
فهي طريق لسد حاجة المحتاجين وإعانة لهم على البعد عن المعاملات المحرمة كالربا ونحو ذلك . .
     وقد أفتى باستحبابه الشيخ ابن عثيمين و الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى وإليك نص جوابه :" ليس في ذلك بأس وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد. وقد نظر في ذلك مجلس هيئة كبار العلماء فقرر بالأكثرية جواز ذلك، لما فيه من المصلحة للجميع بدون مضرة. والله ولي التوفيق " . وراجع بحثاً جيداً في هذا الموضوع نشر في مجلة البحوث الإسلامية عدد (43) بعنوان (جمعية الموظفين وأحكامها في الفقه الإسلامي) وقد طبع هذا البحث في كتاب مستقل .  و كذلك كتاب  " حكم الجمعيات الشهرية في الشريعة الإسلامية  " كتبه : أحمد بن عبد الستار الصعيدي  ، و راجعه وقدم له : فضيلة الشيخ مصطفى بن العدوي  .  
ب /  نموذج صندوق القبيلة :
صندوق القبيلة :عبارة عن وعاء ماليٌّ تعاوني يتم إنشاؤُهُ من تبرّعات الأفرادِ المتفق عليها سنويا أو شهريا بالتساوي بينهم ، و الغرض منه واحدٌ أو متعدّد ( حسب وثيقة التأسيس ) . وهذا العمل مستحبٌّ شرعًا إذا روعيت شروطه وضوابطه :
حكمه : يختلف حكمه حسبَ نوع الحاجةِ التي تستدعي الجمع والتعاوُن :
أ / صندوق واجب : وهو الذي يدفع من العاقلةِ [1] في ديّة الخطأ لأنه يكثر وقوعه .
ب / صندوق مستحب : وهو الذي يتم إنشاؤُهُ بنيّة مساعدة صاحب الحاجة من أفراد القبيلة الذي عجز عن القيام بحاجته :  من حادث أو جائحة أو مرض أو  بطالة أو إقراض بالتقسيط أو إعانة العزاب على الزواج أو المعسرين على القضاء أو المحبوسِ ظُلمًا على الإفراج  وأمثال ذلك من أعمال البر والطاعة . وهذا  مستحبٌّ شرعًا : قال عز وجل : ]وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [ ( المائدة/ 2) ، و قوله تعالى : ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [ ( التوبة : 71 ) [ قصة الأشعريّين ] . [ يستحب الانضمام إلى هذا الصندوق ] .
ج / صندوق محرّم : وهو ما توفّرت فيه إحدى هذه الصفات :
 1/ إذا كان فيه صرفٌ في محرّمٍ أو إعانة للظالم و خاصّةً في الدّماء. [ من البنود اللازمة في صندوق القبيلة : أن لا يصرف منه لإعانة الظالم و خاصّةً في جنايات العمد أو الجنايات الناتجة عن سكر ونحوه ] . 
قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله- :" والعامد لا عذر له، فلا يستحق التخفيف، ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطأ " .    
   وقد أفتى الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية، ورئيس قضاتها في عهده / في بيان حكم ما تناصرت عليه القبائل، وتكاتفت، وتعاونت في دفع الديات، وأرش جنايات العمد ، فأفتى بأن: «... ذلك لا يجوز شرعاً ؛ لمخالفته المقتضيات الشرعية ؛ ولما فيه من مساعدة المعتدي ، وتشجيعه على الاعتداء ما دامت قبيلته تساعده، وتناصره، وتعينه في دفع ما يترتب عليه»([2]).   وقد استثني عمد الصبي و المجنون
والمعتوه لأنه في حكم الخطأ .
 2 /  إذا كان فيه إلزامٌ بالدّفع ( إلا في القتل الخطأ )  : لأنه في الأصل عمل تعاوني يتم بمحض الإرادة فلا يجوز فيه الإكراه شرعا : فتوى اللجنة الدائمة رقم ( 21337 ) ( 11/ 224 ) .
                            أحكام متعلقة بصندوق القبيلة :
1/ يجوز استثمار مال الصندوق والفائدة له .
 2 /  إمكانية انسحاب أي شخص منه عند رغبته عدم الاستفادة منه
3/ هل يزكى مال هذا الصندوق ؟ : سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -  عن مثل هذه الجمعية وإخراج الزكاة من صندوقها فأجاب  : "  أموال هذا الصندوق ليس فيها زكاة , لأنها خارجة عن ملك المشتركين فليس لها مالك معين , ولا زكاة فيما ليس له مالك معين " ( مجموع فتاوى ابن عثيمين) (18/184).  وهو جواب اللجنة الدائمة ( 9/289 ) . 
4/ لا تدفع إليه الزكاة لأنه صندوق تعاوني خارج عن المصارف الشرعية . 
5/  يجوز أن يقبل التبرعات من أي جهة كانت لأنه في الصالح العام .
6/ يجوز تشكيل لجنة مصغّرة يتفق عليها الجميع بالاختيار لها صلاحية التقدير في الدفع و العطاءات .            




[1]  - القرابة من جهة الأب كالأخوة و بنيهم و الأعمام وبنيهم و أعمام الأب وبنيهم  - ، ولا يدخل فيهم امرأةٌ ولا صبيٌّ ولا مجنون ولا فقير  - و يمكن الانتقال إلى غيرِ العصَبَة عند فقدانهم أو فقرهم .  
([2]) مجموع فتاوى ورسائل الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 12/ 283.

هل أعجبك الموضوع ؟

هناك 4 تعليقات:

كافة الحقوق محفوظة 2015 © ملتقى النبلاء / المبرمج يوسف حجاب